الثلاثاء، 28 سبتمبر 2010

شــــــــــــــــــــــــ طــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــر نــــــــــــــــــــ ــــج


عاطفة رقيقة رابطت بيني وبينها...
هذه العاطفة أثق أنها تبادلنيها ثقة تامة

هذه المحبوبة الجميلة هي الشطرنج
أم الألعاب بلا منازع...أتحدث اليوم عن هذه اللعبة الغريبة...
تتمنع عليك متدللة...تتلذذ بتلويك على أرض حبها باحثا عن حل...فإن كنت قويا كفاية...لتقاتل كل خصم ومنافس ومنازع...زفت إليك زفاف العروس...لكن بثوب أحمر...كش مات


اجلس مكانك...نعم ههنا...ها هي رقعة اللعبة...
لك ستة عشر قطعة ولي مثلهم على أرض لا تكاد تسعنا...محاصر أنت بحدود الأرض مثلي...وضيق الأرض على قطعنا خانق...لكن ترو...سنبدأ الآن...
ماذا ستحتاج في هذه اللعبة من مهارات...كل شيء يا صديقي... هذه اللعبة ملخص دسم للصبر والإصرار والثبات والرياضيات والكفاح والفن والرقة والعنف واستشراف المستقبل والفراسة والحدس في كلمة

شــــــــــــــــــــــــ طــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــر نــــــــــــــــــــ ــــج



شطرنج
لا أريد التورط في الحديث عن هذه اللعبة وأنا لست لذلك أهل إلا أنه ليس من ذلك من بد
لن أقص قواعدا.... هدفي على هذه الرقعة مختلف...أنا هنا لأبحث عن الحياة على هذه الرقعة...وأنتم معي..
لماذا؟؟ أراه سؤالا لا محل له من الإعراب يا صديقي...
فحين تنشئ نظاما ما...فقبل أن تنفذه وتتكبد التكلفة وتغامر بالنجاح أو الفشل...تصمم نموذجا مصغرا وتعرضه لذات الظروف لترى مدى تأثره به...أو على الإطار الأحدث فهناك الكثير من برامج المحاكاة (simulation) تصمم فيها نظامك بلا تكلفة لترى مدى تأثره وتفاعله بالظروف وحجم الفائدة الناتجة عنه....لكن هذا بالنسبة للمادة لتفادي الخسائر الناتجة عن الفشل...
لكن أليست الحياة أولى بهذه المحاكاة؟؟..

والسؤال الأهم..
هل يستطيع الشطرنج فعلها؟؟
هل يمكن للشطرنج أن يمثل محاكيا للحياة كاملة...للتعاملات والأفكار والطاقات...؟؟

يمثل الشطرنج تحقيق أعقد أنواع الأهداف...هدف متحرك...بل ولا يقبل الشراكة...وأكثر من ذلك....أنت هنا ذا هدفين...حماية ملكك..وتدمير ملك خصمك...وكلا الهدفين يتطلب استعدادات قد تتعارض مع إستعدادات الهدف الآخر


وما الحياة سوى الأهداف؟؟؟


بدلا من التورط في موقف معقد في خلاف بينك وبين آخر أن تجرب الحلول المتاحة والأساليب المختلفة للتعامل مع الموقف على طاولة الشطرنج...فترى ردود أفعاله الممكنة...قبل أن تورط نفسك على رقعة الحياة
وهذه الأساليب مفيدة بالفعل..بل وأعطت نتائج قوية بفضل الله


لماذا لا يأتي الشطرنج كعلم من علوم التنمية البشرية؟؟
دع عنك الأثر العقلي القوي في ذهن لاعبها...التي وصلت بلاعب كبول مورفي أن يلاعب 8 خصوم في نفس الوقت وهو مغمض العينين...لا يرى أي رقعة من الرقع الثماني...!!!
هذا تمرين عقلي مرعب...وبقدر رعبه بقدر روعته

بالإصافة إلى ذلك فإن الشطرنج حقا محاك ممتاز للحياة...بل إن كاسباروف بطل العالم في الشطرنج حين أنهى مرحلة اللعب الدولي من حياته الشطرنجية اتجه إلى رقعة أعقد هي رقعة السياسة ليستكمل عليها ما بدأه على رقعة الشطرنج...


لهذا كله أسعى إلى استخراج من هذه اللعبة اللعوب ذات الأربعة وستين مربعا إلى استنتاج قواعد الحياة من قواعد الشطرنج...بالإضافة إلى بعض تأثيرات ضرورية موجودة في الحياة...ولنبدأ معا أول هذه القواعد

1- اعرف الملك الذي تسعى إليه وملكك المطالب بحمايته أولا وثانيا اعرف قطعك وقطع خصمك...

هذه نقطة قاتلة...أن تكون في صراع وأنت لا تدري بوجوده من الأساس...
وإن دريت بوجوده لم تعلم هدفه (معرفة الملكين)...
وإن علمت لم تعرف من سيحققه (قطعك)...
إن ملكك هو الخط الأحمر الذي لا يجب أن يقترب منه أحد فضلا عن أن يتجاوزه...وأما ملك خصمك فهو الهدف الذي لا معنى لأرض خصمك دونه...
أعتذر لك صديقي عن التفصيل ولكن...ههنا أفصل لأن كثيرا منا يخدعون (خاصة إن كان في موقع قوة) بلذة الانتصار المرتقب...فيظل يحطم في قطع الخصم ظانا أنه ينتصر...وهو بالفعل المتفوق إلا أنه نسي أمرا هاما...أنك تقاتل بعيدا عن هدفك الأصلي يا صديقي...بعيدا عن الملك...ثم بعد ذلك لا يستبعد أن يدركه الإنهاك فيتوقف ليستعيد خصمه قواه...أو يسقط في خضم اندفاعه إلى فخ قاتل...
وتأمل إن أحببت...نقاشك مع طفلك...إن هذا صراع حرج...لكن نتعامل معه بالإستخفاف ودون استعداد...
والنتيجة...
أولا...تمسك طفلك برأيه
ثانيا...يطول الحديث دون وصول إلى نقطة إقناع لأي منكما
ثالثا...حين تمل تخرج الجملة الشهيرة "هي كده...اسمع الكلام يا ولد"...ونتائجها الكثيرة من...
كبت رأيه...تكسير قطعة المودة التي لك عنده...انطواؤه عنك
ربما هذا مثال يسير إلا أن مجال هذه القاعدة أوسع من ذلك
وتأمل إن أحببت صراع حرب الأفيون...
فإن الصين لم تكن تعتبر نفسها في صراع...بل كانت تعتبره عرضا للتجارة وانتهى
فكانت النتيجة...فقدان هونج كونج


2- انتبه للبدايات
إن الحركات الإبتدائية (الإفتتاحيات) ذات أهمية خاصة...رغم أنها بعيدة بالكامل عن جو الصراع ...
فقلما يهتم أحدهم بالحركات الإبتدائية أو يعطيها اهتماما يذكر...
وربما تكون فعلا هذه المرحلة مربكة عن سائر المراحل لأننا نلعب دون معرفة هدفها ومقياس النجاح فيها
إن هدف هذه المرحلة الرئيسي هواحتلال المواقع الإستراتيجية بأقل عدد من الحركات
فيقول المحترفون إن أول عشر حركات قد تحدد مصير اللعبة...بل إن أوسع باب للدراسة في الشطرنج هو الإفتتاحيات...
بل أعقب ههنا بسؤال غريب...
ما هو أقصر ماتش يمكن أن يلعب في الشطرنج؟؟؟
كم حركة تتوقع؟؟....
حركتين فقط...فقط لعبتين خاطئتين من أرضك في أول اللعب كفيلتان بتحقيق هزيمتك...
إن الأمر مرعب لكنه من الأهمية بمكان...وفي هذا واقعة اشتهرت عن أحد أعلام الشطرنج...إذ استغرق للعب الحركة الأولى في إحدى المباريات خمسين دقيقة كاملة في التفكير...طبعا هذه ليست القاعدة لكن تكفي دليلا على أهميتها


3- تابع تحركات خصمك...لكل حركة غاية وهدف وسبب...
لا تقنع بالأسباب الظاهرية...لأن الأسباب الظاهرية مبررات لا أسباب...
وفي هذا ملحوظة جميلة...هي أن الأبطال والمحترفين يتشابه لعبهم أحيانا مع لعب المبتدئين...في أعنف الأدوار..أحيانا يكون للعبة الطفل بداخله الضربة الرابحة...لكن بعد أن عرف القواعد واللعب الحذر...
فلا تأمن لحركة ما وإن بدت ساذجة للوهلة الأولى


4- أسوأ الألعاب الممكنة لعبتان...واحدة لا تعرف هدفها...وثانية تخرج فيها أقوى قطعك (الوزير) للهجوم فحسب...
إن اللعبة التي لا تعرف هدفها قاتلة...فهي إهدار للوقت مرتين الأولى للإنتقال إليه والثاني للعودة إليه إن كان موقعا هاما...وإهدار لموقع تحتله...ومخاطرة بقطعة دون سبب مفهوم...وأما الهجوم بالوزير على إطلاقه دون تيقن من التدمير الحقيقي أو دون دعم فهو من الخطورة بإحدى مخاطرتين...إما الهلاك للوزير...وإما إهدار الوقت في محاولة تخليصه إن وقع في فخ...فإن هذه القطعة تخرج إما لتدمير يقيني تحققه أو لهجوم مميت...
وههنا تمثيل للقاعدة الثانية الشهيرة من العادات السبع لستيفن كوفي
"فكر في النهاية عند البداية"


5- الزمن...الزمن...الزمن...ثم الزمن
للزمن تأثيره القوي على أرض الشطرنج..
فلكل نقلة زمن معين...إن لم تلعب فيه انتقلت النقلة لغيرك...
طبعا هذا في الحياة...أما الشطرنج فالقواعد أقسى لأنه إن نفد وقتك فقد خسرت بغض النظر عن قوتك أو تفوقك...
بل لهذا تم ابتكار أنواع خاصة من ماتشات الشطرنج...كشطرنج الرصاصة...لا يجاوز زمن الماتش الثلاث دقائق...احتراما للزمن...وتقديرا لدوره
بل امتاز كابا بلانكا...بطل العالم الكوبي المرعب عن خصمه الشهير إليخين بهذا العنصر
لكن لا يمنعك هذا من التروي والتفكير...
يقول د.لاسكر بطل العالم لربع قرن... إذا رأيت لعبة جيدة فلا تلعبها...فسترى ما هو خير منها
بل إن من خطورة تأثير الزمن في الشطرنج أن هناك تضحيات ببيادق (عساكر) (وتسمى التضحيات جامبيت) هدفها الوحيد هو كسب الوقت وتعطيل الخصم وتحقيق أسبقية الإنتشار
وقد تصل الخطورة إلى حدها الأقصى...كما حدث مع كاسباروف في إحدى مبارياته...حيث لم ينتصر في مباراته هذه رغم تفوقه بفارق خطوة واحدة فقط تأخرها


6- أرى في هذه المحبوبة ترتيب الأولويات وتحديد سلم أهمية القطع...
فإن كل قطعة لها قيمتها وثمنها بداية من الملك (لا نهاية) فالوزير ثم الرخ فالفيل فالحصان فالبيدق...بالإضافة إلى ترتيب الأولويات..ولقد ترى ماتشا يضحي اللاعب فيه بفيل ورخ (طابية) ووزير بلا ثمن...في مقابل كش مات متأخرة
فأرى في محبوبتي هذه القاعدة الثالثة لكوفي
"ترتيب الأولويات وإدارة الوقت"


7- لا يقبل الشطرنج التردد ولا الحيرة...فلمسك القطعة يعني تحريكها إلزاما دون تراجع...
وهي بالفعل مشكلة ليست يسيرة أبدا في الحياة...إن التردد فخ قتال قلما يسلم منه أحد...بل والأسوأ أننا أحيانا نهرب من القرار بنصف القرار...(أعمل وما أعملش في نفس الوقت)...وعادة يكون هذا أسوأ من العواقب السيئة لكلا الخيارين مجتمعين
إن أسوأ وقت يمكن أن تمضيه بالفعل هو وقت التردد
لأنه وقت للخوف وفقط
لا هو وقت تفكير...ولا وقت حسم
فيصدق قول الشاعر...
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة...........فإن فساد الرأي أن تترددا


كانت هذه الحلقة الأولى من رحلتنا على رقعتي ذات الأربعة وستين مربعا
يكفي هذا الآن
أراكم فيما بعد
فرحلتنا لا تزال طويييييييييييييييييييييلة